هي آداب يحتاج إليها كل من يتصدر مجالس العلم ، أو يتصدى للتدريس ، وقد اهتم بها المحدثون وحضوا عليها من يتصدى للتحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويمكن إجمال أهم هذه الأداب فيما يلي :
- أولا : الإخلاص وتصحيح النية :
فالإخلاص روح الأعمال ولبها ، أمر به جميع الأنبياء ، وبُعثوا بالدعوة إليه ، كما قال الله تعالى : { وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء } ، وعالِم الحديث ينبغي أن يكون أبعد الناس عن الرياء وحُبّ الدنيا ليفوز بنفحات النبوة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- ثانيا : التحلي بالفضائل :
فإن علوم الشريعة علوم شريفة تناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشِّيَم ، وتقضي باستقامة الأمر والسلوك . وعلم الحديث مِنْ أَوْلَى هذه العلوم بذلك ، فجدير بالمحدث أن يفوق غيره في ذلك كما كان سلفه من علماء الحديث . ليكن جديراً بالنسب ، كما قال القائل
أهل الحديث هم آل النبي وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
- ثالثا : مراعاة الأهلية للتحديث :
معنى مراعاة الأهلية أن لا يجلس للتحديث إلا إذا كان أهلا لذلك ، سواء كان في سن مبكرة أو متأخرة .
وقد أنشد بعض البغداديين :
إن الحداثة لا تقصر لكن تذكي قلبه بالفتى المرزوق ذهنا فيفوق أكبر منه سنا
وضابط ذلك ما قاله بن الصلاح : " إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كان " .
فإذا ما توفر فيه ذلك فليحرص على إفادة علم الحديث ونشره ما وسعه ذلك .
4 - التقاعد متى خاف الغلط :
وهذا أمر يدل على انتظام الأمور في ظل الحضارة الإسلامية ، إذ سبق العلماء إلى تحديد " سن التقاعد " .
وبالنظر لما امتن الله به على المحدثين من طول العمر فقد جعلوا سن التقاعد هو الثمانين لان الغالب على من بلغ هذا السن اختلال الجسم والذِّكْر ، وضعف الحال ، وتغير الفهم . وإلا فإنه ينبغي للعالم الإمساك عن التحديث وعن عقد دروس العلم متى خاف التخليط ولو كان دون هذه السن .
5 - توقير من هو أولى منه :
وهذا من أخلاق العلماء الكملة ، إذ يحذرون التقدم على من هو أولى منهم لكبر السن ، أو فضل في العلم .
وكان إبراهيم النخعي والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء كما ينبغي للعالم إذا التُمس منه ما يعلمه عند غيره أعلى منه أو أرجح أن يعلم الطالب به ، ويرشده إليه ، فإن الدين النصيحة .
6 - توقير الحديث والتأهب لمجلس التحديث :
فإن الحديث كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فينبغي أن يكون في نفس المحدث استشعار توقيره ، وذلك بأن يتأهب للمجلس من حيث الثياب والطهارة ، وينبغي أن يعنى بأسلوب الإلقاء فإنه أمر ضروري ، ومن الواجب أن يراجع المحدث أو المدرس المادة العلمية ، ويعد في نفسه طريقة أداء كل قسم ، وينوع الأسلوب ، فتارة يخبرهم ، وتارة يلقي عليهم المسألة سؤالاً ، وهكذا ليشوقهم ويشركهم في المجلس .
وينبغي له مع أهل مجلسه العلمي ما قال حبيب بن أبي ثابت : " إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعاً " .
وليعمد للوسائل والأساليب المفهمة الموضحة التي تساعد على رسوخ الكلام في الذهن ، على نحو ما سبق أن ذكرناه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تحديث أصحابه الكرام رضي الله عنهم .
7 - الاشتغال بالتصنيف والإنتاج العلمي :
لمن توفرت فيه الأهلية لذلك ، فإنه يفتح له من مغاليق العلم ويوسع أمامه من مجاله ما لم يكن بحسبانه ، كما أن كل عصر له شأن خاص يحتاج إلى تجديد في الأسلوب وفي الموضوعات والأفكار ، بحسب ما يتطلبه حال الناس من الناحية الفكرية والأخلاقية والعملية … وقد حَجَر واسعاً من قال : " ما ترك الأول للآخر " . ومن تأمل ومارس قال : كم ترك الأول للآخر .
وينبغي لمن يتصدى للتصنيف :
أن يستحضر بعمله نية نفع المسلمين ، وأن يلحظ في عمله فائدة جديدة ، إما باشتمال مصنفه على ابتكار فكرة أو نظرية جديدة توصل إليها باجتهاده ، أو حُسن ترتيب وتنسيق . أو حل لمشْكِل وإيضاح لغامض ، أو تجديد أسلوب يقدم به المادة العلمية في ثوب يناسب عصره . كذلك ينبغي له أن لا يتعرض للتصنيف فيما لا يحسن من الفنون طلباً للسمعة بكثرة المؤلفات وتنوعها ، ومن فعل ذلك وقع في السقطات ، وكثرت منه الهنات .
وحسن التصنيف أمنية عظيمة ، وموهبة إلهية طالما سألها اللهَ كثير من العلماء .
المصادر :
- نور الدين عتر : منهج النقد في علوم الحديث ص 194 : 197
